قصة قط أسود- ضيوف، كرامة، ورعب في القرية
المؤلف: علي بن محمد الرباعي09.28.2025

شاهد شيخ القرية، كندرة، زوجته ملقاة على الأرض بالقرب من الباب، فطلب منها أن تستقيم، محذراً إياها من النذر وداعياً إياها إلى ذكر الله، مطمئناً إياها بقدوم ضيوف في تلك الليلة. إلا أن الزوجة عارضته، مؤكدة أن علم الغيب مختص بالله وحده، وأن الضيف تحفه ملائكة الخير قبل وصوله. و بينما هما في جدال، سمعوا أصوات رجال قادمين نحو بيتهم. كان بيت كندرة يتميز بساحة واسعة تتوسطها شجرة سدر كبيرة توفر ظلالاً واسعة.
رحب كندرة بالضيوف، وقام بترتيب المجلس والمساند، بينما الضيوف، الذين بدت عليهم علامات الكرم، جلسوا تحت شجرة السدر. قبل أن يتناولوا القهوة، أقسم الضيوف أنهم لن يتعشوا إلا من حلالهم الذي سيحضرونه إلى سوق الثلاثاء في الغد. فطلب كندرة من جاره بخيت أن يساعده في ذبح أطيب ذبائحه إكراماً للضيوف. ثم نزل كندرة إلى الحطب، وأحضر عودين من القرض، وأشعل النار. وطلب من زوجته أن تستدعي جارتهم المدغبسة للمساعدة في العجين، فجاءت المدغبسة مع أطفالها وزوجها الفقير. بينما توافد وجهاء القرية بعد صلاة المغرب إلى بيت شيخهم.
امتلأ المكان بالضيوف وأهل القرية. ولاحظ شاعر القرية، المدغبسة، وهي تعد العجين في قدر كبير. فأنشد شعراً يمدح فيه كرم أهل القرية وأرضهم الطيبة. فأجابه شاعر البادية بشعر مماثل، معبراً عن إعجابه بكرم الضيافة وحسن الاستقبال.
بعد العشاء، ومع طلوع النهار، قدم كندرة القهوة لضيوفه، وعرض عليهم الإفطار، لكنهم اعتذروا، قائلين إنهم سيفطرون في السوق. وتركوا له ظرفاً مليئاً بالسمن، وطلبوا منه أن يضعه في بيت التمار الذي يقع على تلة مطلة على السوق. بعد أن ودعهم، عاد كندرة إلى بيته، وأسند ظهره إلى الجدار وغط في نوم عميق.
استيقظ كندرة على صوت صراخ الدجاج في الجزء السفلي من البيت، فظن أن هناك حيواناً مفترساً قد دخل البيت. فأخذ بندقيته القديمة ونزل بحذر. وعندما وصل إلى الباب، رأى قطاً أسوداً كبيراً أمامه. فارتعد خوفاً وتذكر اسم الله. ثم رأى أن القط هزيل وضعيف، فتركه يمر بسلام. في هذه الأثناء، شعر شيخ كبير السن في القرية بضعف شديد، وتساءل كيف يخاف من قط بعد أن كان شجاعاً في شبابه.
دخل كندرة البيت وهو يشعر بالخوف، ورأى بيض الدجاج مكسوراً والدجاج يركض في كل مكان. فخرج مسرعاً إلى الساحة، ثم صعد إلى البيت وعلق بندقيته. وأخذ قدحاً من الماء ليشرب. ثم لاحظ أن زوجته ليست في البيت، ففرح لأنه لم يكن يريدها أن تراه خائفاً. أخذ قرصاً من الخبز وقطعة لحم باردة من بقايا العشاء. وبينما كان يأكل، ظهر القط الأسود أمامه. فرمى له كندرة قطعة عظم، لكن القط لم يهتم بها. فأعطاه كندرة قطعة لحم، فاختطفها القط وهرب.
اجتمع أهل القرية لصلاة العصر. وبعد الصلاة، لاحظ كندرة أن يدي فقيه القرية مجروحة. وقبل أن يسأله عن ذلك، بدأ المؤذن في الأذان. أمسك الفقيه بثوب المؤذن وسأله عن سبب انتفاضه. فأجابه المؤذن بأنه قلق على أغنامه. فتركه الفقيه يذهب، وأصبح مقتنعاً بأن القط الأسود جني، خاصة بعد أن أقسم الفقيه بأنه لم ير قطاً بهذه القوة من قبل. وأضاف أن هذا القط طرد جميع القطط الأخرى من القرية، وأنه يأكل صغارها. فبدأ كندرة يردد: "الله يكفينا شره".
سكت الجميع يفكرون في هذه المصيبة. ولم يخفِ الفقيه شكه في المؤذن، وحلف أنه يعرف من أين أتى هذا القط. فذهبوا إلى المؤذن وسألوه، فاعترف بأنه وجد هذا القط في الوادي وأنه أشفق عليه وأحضره معه إلى القرية.
طلب كندرة من أهل القرية أن يكفوه شر هذا القط، بأن يرموه في بئر أو يغرقوه في غدير أو يذبحوه ويصنعوا من جلده قربة ماء. وسأل الفقيه: "هل توافق على ذلك؟" فأجاب الفقيه: "الله يكفينا شره. كيف لي أن أهاجم قطاً وأنا في هذا العمر؟" فقال المؤذن: "لا يعرف التعامل مع الجن إلا الفقيه." فرد الفقيه: "لا يمكنني ذبحه، فمن يذبحه لن يذوق طعم العافية. ولكن يمكننا أن نخصيه." فرد كندرة: "هذا رأي سديد."
تشاور الفقيه مع ديكان، واتفقوا على أن يدخل المؤذن رأسه في كيس، بينما يحاولون الإمساك بالقط. ترصدوا للقط، ولكنهم لم يروا شيئاً. وأقسم الفقيه بأنه شعر بيد تلف رقبته حتى سمع صوت تكسر عظامها. وأقسم المؤذن بأنه لم ير شيئاً سوى الظلام. وكان كندرة يضحك ويقول: "لا فائدة منكم يا من تخصون القطط."